الرئيسة    الفتاوى   الدعوة والتربية والحسبة   نشر المقالات المشتملة على الشتم والتشهير بأصحاب المعاصي

نشر المقالات المشتملة على الشتم والتشهير بأصحاب المعاصي

فتوى رقم : 8783

مصنف ضمن : الدعوة والتربية والحسبة

لفضيلة الشيخ : سليمان بن عبدالله الماجد

بتاريخ : 17/07/1430 04:18:41

س : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. شيخنا الفاضل سليمان الماجد ! حفظكم الله ونفع بكم .. لدي استفسار وأود أن أعرف رأيكم حوله .. أنا أشرف على بعض المنتديات ، وتمر علي أحياناً بعض المواضيع أو المشاركات التي يكون فيها إساءة لبعض الأشخاص علناً من مسئولين وغيرهم ممن اشتهروا بالفسق والمعاصي ، حيث يطلق عليهم لقب الفاسق أو المجرم أو الخبيث أو نحو ذلك ، فما رأيكم حول هذه الكلمات هل ندعها بحجة أنهم هم من أهل الفسق وأنهم هم من جاهروا بمعاصيهم وجعلوا أنفسهم عرضة للتحدث عنهم ، أم أحذف هذه الكلمات وليس علي إثم في حذفها ؟. أفتونا بارك الله فيكم - شيخنا الفاضل - ونفع بكم الإسلام والمسلمين .

ج : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. الأصل والمنهج العام في التعامل مع المخالفين هو الرفق واللين ، والغلظة إنما هي أمر نادر عارض ؛ فلا ينبغي أن نجعل الأصل استثناء والاستثناء أصلا ، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة ؛ فمن ذلك قوله تعالى : "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" ، وقوله تعالى : "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" .
وسبب اعتبار أن الرفق هو الأصل أن مقصد الشريعة هداية الناس ، وهذا لا يكون بالإغلاظ .
وكان ذلك واضحا في هديه العملي صلى الله عليه وسلم ؛ فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : السام عليك ففهمتها فقلت : عليكم السام واللعنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "مهلا يا عائشة فإن الله يحب الرفق في الأمر كله" فقلت : يا رسول الله أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فقد قلت : وعليكم" رواه البخاري .
ففي هذا الحديث الترفق حتى مع ألد الأعداء ، وكان ذلك منهم في حال السب والشتم وتمني الموت ، وعلى وجه المخادعة والمراوغة بإظهار استغفال المؤمنين .
وأغلظ النبي صلى الله عليه وسلم على المنافقين في فضح مناهجهم ، ولكنه عامل أفرادهم بطريقة أخرى ؛ فلم يرو عنه أنه سب أحدا منهم أو شتمه .
ولهذا قال بعض العلماء العلماء بأن الإغلاظ الوارد في قوله تعالى : "واغلظ عليهم" هو في فضح مناهجهم وتعريتها ، ولو كان مقصود الآية الإغلاظ على الأعيان منهم بالسب والشتم لكان النبي صلى الله عليه وسم أسرع إلى تطبيقه ، ولكنه لم يسب كافرا ولا منافقا ؛ مما يصحح فهم الآية .
ولهذا قال حذيفة بن اليمان عن سورة التوبة : إنكم تسمونها سورة التوبة وإنما هي سورة العذاب، والله ما تركت أحداً من المنافقين إلا نالت منه .
وبعضهم يستدل بقوله صلى الله عليه وسلم : "ءأذنوا له فبئس أخو العشيرة" لجعل منهج الإغلاظ في القول والفحش فيه هو الأصل . والحقيقة أنه لا تعارض بين الحديثين فحديث عائشة هو من قوله صلى الله عليه وسلم ، وفي تأسيس منهج التعامل ، والثاني إنما هو فعل ، والقول مقدم عل الفعل .
كما قال الله تعالى توجيها لموسى : "فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" ، وهو فرعون الذي دعا إلى عبادة نفسه ، وعارضها بعضهم بقوله تعالى على لسان موسى : "وإني لا أظنك يا فرعون مثبورا" . وهاتان الآيتان مثل ذينك الحديثين ؛ ففي الآية الأولى توجيه رباني ورسم للطريق ، والثانية من إنما هو حكاية لفعل موسى عليه الصلاة والسلام .
وقد أُكد في الشريعة على هذا المنهج بأحاديث لا تحصى نهت عن الفحش والبذاءة والطعن واللعن والسخرية ؛ كحديث : "ليس المؤمن بالطعان ، ولا اللعان ، ولا الفاحش ، ولا البذي" ، وكذلك حديث عائشة في الترفق مع اليهود حين سبوا النبي صلى الله عليه وسلم ودعوا عليه .
فإن قيل بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر بعض الصحابة على نوع من الشتم ؛ كقول بعضهم : فقد نافق ، وقول بعضهم : أمصص بظر اللات ؛ فالجواب أن هذا وقع في حال من الغضب والغيرة على الدين ؛ فقد لا يملك المرء نفسه ، ثم إن هديه صلى الله عليه وسلم أولى من هدي غيره .
وعليه أقول : إن ما ينشر في بعض المنتديات من العبارات المقذعة لبعض المخالفين ممن يُنسب إلى مناهج مخالفة قد يُعذر فيه صاحبه ؛ لما يرى من الانحرافات العقدية والمنهجية ، مع ما يصحب ذلك من تسلط الأعداء وتخاذل الأقرباء وتفشي أسباب التغريب ، ولكن ذلك ليس هو المنهج القويم .
فمن المتفق عليه أن القصد من الإغلاظ هو حفظ الدين ؛ فهل حفظناه بذلك ؟
لا أظن أن هذا المقصد قد تحقق ، وبيانه أن الإغلاظ إذا كان موجها إلى المسلم الصالح فهذا لا يحتاج إلى إغلاظ ؛ لأنه على منهج صحيح ، وإن كان موجها إلى مردة المخالفين أو أتباعهم أو المائلين إليهم على تردد فإن هؤلاء لا ينفع في هدايتهم ؛ لأنه تنفير ؛ كما أنه لا ينفع في زجرهم ؛ لأن لهم سندا وأعوانا ؛ فأين حفظ الدين إذا ؛ فلم يبق إلا منهج التعرية بفضح المناهج دون سباب أو شتائم لمعين .
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الأمرين : فضح المناهج وتعريتها ، وتعامل بطريقة أخرى مع أفراد المنافقين ومردة الفاسقين ؛ وقد ظهر هذا فيما يتلوه صلى الله عليه وسلم من القرآن في سورة التوبة وغيرها ، وفيما يقوله من جوامع كلمه حيث عرى المنافقين وفضحهم ، ولكنه جعل أسماءهم سرا ، وقال عن رأسهم عبدلله بين أبي سلول : "بل نحسن صحبته ما دام معنا" .
وقال عمن يعد من أفسق الفساق وهو شارب الخمر : "لا تلعنه أما علمت أنه يحب الله ورسوله" .
ولا أعرف حادثة واحدة سب النبي فيها أحدا أو عيره أو شتمه بأبي وأمي ، وإذا روي غير ذلك عن بعض الصحابة رضي الهب عنهم فهديه أولى بالاتباع .
وإن عذرت نفسك في سب أو شتم بسبب سَورة غضب أو غَيرةٍ على الدين ـ ولا يخلو أحد منا من فعل ذلك ـ فلا نجعلها منهجا عاما وطريقة أصلية ، ونحن لا نحفظ حالة واحدة سب فيها النبي صلى الله عليه وسلم معينا أو شتمه أو كفره أو فسَّقه .
فعليه لا أرى أن تجعل في منتداك إلا ما وافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضح مناهج الكفار والمنافقين دون تسمية أو سب أو شتم، وإثم عليك في حذفها ؛ لأن المنتدى ملك لكم وليس لمن وضع فيه المشاركة ، مع تنبيه المشاركين على هذه الطريقة حتى تبقى مشاركاتهم في نقد المناهج فقط . والله أعلم .