صلت المغرب في السفر ركعتين جهلا، فهل تعذر بذلك؟
فتوى رقم : 3407
مصنف ضمن : صلاة أهل الأعذار
لفضيلة الشيخ : سليمان بن عبدالله الماجد
بتاريخ : 18/10/1429 17:02:00
س: سافرت ومعي زوجتي إلى خارج المملكة لعدة أيام، ولاحظت أن زوجتي تجمع المغرب مع العشاء وتقصر المغرب ركعتين ولم أعلم بهذا إلا متأخراً؛ فما حكم فعلها؟ وهل يلزمها إعادة صلاة المغرب؟
ج: إذا قصرت المغرب ركعتين في سفرها وكانت تجهل ذلك فليس عليها إعادة ما مضى من الصلوات؛ لأن الجهل عذر يمنع التكليف، ولا يجب معه إعادة العبادة.
ولا يقال هنا: إنها قدرت على العلم ففرطت فتُكلف بالإعادة؛ فالجواب أن يُقال: إنها تأثم بالتفريط، ولكن الأصل بقاء الجهل رافعا للتكليف.
كما أنه لا تلازم شرعا ولا عقلا بين وجوب الإعادة وبين التفريط بتعلم الحكم.
ولا يُقال أيضا: إن الأصل وجوب الثلاث في المغرب، وقد خرجت من ذلك الأصل بلا اجتهاد ولا تقليد فلا تعذر؛ فالجواب: أن هذه هي حقيقة الجهل؛ وهي معرفة الشيء على خلاف ما هو به في الواقع.
وقد دلت ظواهر السنة على ذلك؛ فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة للمسيئ صلاته، ولا المستحاضة التي كانت تترك الصلاة وقت نزول دم الاستحاضة، ولم يأمر عمارا بإعادة الصلاة حين لم يتيمم.
ومن حيث المعنى فإن الجهل يطول بخلاف النسيان فإنه عارض قليل؛ فوجب القضاء على الناسي، بخلاف الجاهل الذي قد يبقى جاهلا أكثر عمره، والشريعة لا تأتي بمثل ذلك وهو أن يعيد المرء عبادات السنين الطويلة، ولو كانت مثل هذه الفتاوى موجودة في عهده صلى الله عليه وسلم لنُقلت؛ فلما لم تُنقل دل على أنه لم يكن يكلفهم بالإعادة في مثل ذلك.
ولو قيل: هذا وقت نزول القرآن؛ حيث لا يعلم الناس كثيرا من الأحكام؛ فالجواب: أن الجهل يوجد كثيرا؛ كما يوجد من يقدر على التعلم فيدع العبادة أو شرطا منها؛ فلما لم يُبين الفرق بين الأمرين دل ذلك على أن السنة لا تفرق بينهما؛ إذْ إن هذا هو هو وقت البيان، ولا يجوز تأخيره عن وقته.
والذي لا يُقبل فيه العذر بالجهل هو ما يتعلق بالأحكام السلطانية؛ كمن جاهر بفعل معصية؛ فللسلطان أن يتحقق من تفريطه في التعلم؛ فإذا ظهر له أن مثله يجهل؛ كمن أسلم حديثا، أو كان ببادية بعيدة، أو في مكان يقل فيه العلم والعلماء أعفاه من العقوبة، وإن لم يكن كذلك عاقبه، ولم يقبل عذره؛ سدا لباب التهرب من العقوبات الشرعية.
وأما المسائل المبنية على على الديانة فلا يُشرع للمفتي فيها التقصي على المستفتي؛ كالذي يفعله السلطان لحفظ المجتمع من المجاهرة بالمعاصي.
والبعض هنا قد يشتبه عنده الأمران؛ فتراه يجري الأحكام السلطانية في العذر بالجهل على أحكام التعبد، وهذا في غير محله.
قال ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (21/101) : ( .. وعلى هذا لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص، مثل أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ، ثم يبلغه النص، ويتبين له وجوب الوضوء، أو يصلي في أعطان الإبل ثم يبلغه ويتبين له النص؛ فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد ) ..
.. ( ونظيره: أن يمس ذَكَره ويصلى، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر ) ..
.. ( والصحيح في جميع هذه المسائل: عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"، فمن لم يبلغه أمر الرسول صلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسلَّم في شيءٍ معينٍ لم يثبت حكم وجوبه عليه، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمَّاراً لما أجنبا فلم يصل عمر وصلَّى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياماً لا يصلي، وكذلك لم يأمر مَن أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر مَن صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء) ..
.. (ومن هذا الباب المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان، أحدهما: لا إعادة عليها – كما نقل عن مالك وغيره - ؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام. أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي ) أهـ كلامه رحمه الله. والله أعلم.