ضوابط استثمار أموال الأوقاف
فتوى رقم : 22512
مصنف ضمن : الوصايا والتبرعات
لفضيلة الشيخ : سليمان بن عبدالله الماجد
بتاريخ : 19/11/1442 10:52:39
س: ما هي القواعد والضوابط الشرعية في استثمار أموال الأوقاف؟
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. فإن للاستثمار ضوابط هي:
1. أن تكون معاملة الاستثمار مباحة في الشريعة.
وقد ذكرنا في جواب سابق حكم دخول غير المتخصص في علوم الشريعة مجال الاستثمارات بأنواعها، وما يشرع له من الاستدلال والتقليد؛ فما كان من القطعي والظاهر في إباحته أو حرمته دون عوارض أو إشكالات فيعمل به المسلم دون مراجعة أهل العلم.
وأما ما كان اجتهاديا وكثر القائلون بالاتجاهين في المسألة كما هو الغالب الأعظم من مسائل المعاملات والاستثمارات فقد ذكرت ما يشرع لغير المتخصص في ذلك الجواب.
2. أن لا تخالف عملية الاستثمار نصا للواقف بالمنع.
كأن ينص على منع الاستثمار مطلقا، أو منع عمليات معينة، أو مكان محدد، أو نوع موصوف؛ فيلتزم حينئذ بنصه.
3. أن لا يكون هذا الاستثمار في أصول الأوقاف؛ إلا بشروط.
وهي النص الصريح من الواقف بالجواز، وبقرار من النظار، وإذن من المحكمة المختصة؛ يتضمنان ثبوت مصلحة الوقف في العملية المعينة.
4. أن لا يتم رهن شيء مما يعود إلى الأوقاف.
إلا بنص من الواقف، وقرار من النظار، وإذن من المحكمة المختصة، يتضمنان ثبوت مصلحة الوقف في العملية المعينة.
5. أن لا يكون المستحقون للريع محتاجين إليه.
فلا يجوز، أن يوجه شيء من ريع الوقف للاستثمار وهناك من المستحقين لريعه بأشخاصهم أو أوصافافهم من هم في حاجة إليه، ويستثنى من هذا ما يلي:
أ. النسبة التي نص الواقف على تجنيبها للاستثمار؛ لتعظيم أصول الوقف، أو زيادة الريع؛ فيجوز استثمارها ولو وجدت حاجة للمستحقين؛ إلا الضرورات الواقعة على ذرية الواقف فإنها تبيح المحظورات.
ب. النسبة التي تفي بعمارة عين الوقف وترميمه، وتفي كذلك بحمايته من الاعتداءات والمطالبة له أو عنه، وكذلك ما يفي بنسبة التضخم التي تنقص قيمة الوقف وريعه في مقابل القيمة المتغيرة للعملة؛ لأن هذه الأمور الثلاثة هي من حفظ أصل الوقف، وليست من طلب الزيادة، وهو من ضمانة استمرار ريعه على الوضع الذي تركه الواقف عليه دون نقص؛ ولأجل أن الأصل هو أن الواقف لا يريد نقص وقفه بما يؤدي إلى الاضمحلال أو الضعف الشديد مع طول الزمن؛ فلهذا يجوز تجنيب ما يفي بهذه الأمور، وترد إلى الأصل ببناء متصل أو منفصل.
وهذه النسبة ضئيلة جدا مقارنة بما يجنبه كثير من النظار من الريع للاستثمار؛ التي تهدف إلى الزيادة على الريع لمجرد الزيادة؛ دون إذن من الواقف؛ بل إن ما يفعله أولئك النظار حرمان للمستحقين، وتعطيل لقصد الواقف، وتأخير لأجره؛ دون سبب معتبر إلا رؤية الناظر غير المسوغة، وربما ترتب الإثم عليه بسبب ذلك؛ لأن حاجة المستحقين الحالية قطعية، وحاجة الأجيال القادمة مظنونة أو مشكوك فيها، ولا يقدم مشكوك على مقطوع.
هذا وإذا زادت أصول الوقف زيادة كبيرة بقدر ما يفي بدفن هذا النقص سنين عديدة قادمة= وجب على الناظر أن يتوقف عن هذا النوع من تجنيب بعض الريع للاستثمار؛ وذلك لانعدام العلة التي لأجلها تم هذا الاستثمار.
هذا وتمكن العودة إليه مرة أخرى إذا عادت تلك الحاجة.
وذلك أن بعض العقارات تتضاعف أصولها في مدة وجيزة جدا بما قد يصل إلى قدرها خمسة أضعاف، أو أن يحظى الوقف بتثمين حكومي مجز بأضعاف القيمة؛ فهنا لا نحتاج إلى تجنيب نسبة لعلاج التضخم أو خسائر التأجير؛ لأن علاجها متحقق أصلا، وما زاد في أصولها فلا بد أن يظهر في ريعها زيادة كبيرة تفي بعلاج ما ذكر سنين عديدة قادمة.
6. أن يراجع عقد الاستثمار من قبل خبراء في القضاء والأنظمة.
وذلك لتمتين العقد وحفظ حقوق الوقف، وسد أي ثغرة يمكن أن يضيع منها المال، أو يتنصل بها الطرف الآخر من التزاماته، ومن ذلك:
- أن يكون أولئك المستشارون ذوي خبرة نظرية وعملية، في طول زمنها ونوعها.
- أن تكون عقود الاستثمار مسجلة مع الطرف الآخر بما يضمن وفاءه بالتزاماته.
- أن يكون ذلك بموجب قرار من الخبير مقيد مكتوب يصادق فيه على مسودة النسخة النهائية للعقد قبل توقيعها.
- أن يكون الاستثمار مأذونا به من الجهات المختصة نظاما، وذلك من جهة العموم، وترخيصا من جهة المشروع نفسه؛ حتى يجنب مخاطر الهدم أو التوقيف، أو أضرار التصفية.
- أن لا يوجد تعارض في قرار الاستثمار؛ بأن يكون النظار أو أحدهم منتفعين من العقد بأي مصلحة ظاهرة؛ ككونهم أو أحدهم طرفا في عقده؛ حيث لا يجوز شرعا ولا نظاما أن يتولى الناظر أو أي مسؤول طرفي العقد عن نفسه في جهة وعن الوقف في جهة أخرى.
- أن يحقق ما قد تحتاجه عملية الاستثمار عادة من عقود التوثقة الأخرى كالرهن على الطرف الآخر، أو الضمان أو الكفالة، أو الأوراق التجارية الضامنة من شيك أو سند لأمر أو كمبيالة، أو بها جميعا.
وكذلك ما يحتاجه الوقف لوفاء الطرف الآخر في الوقت المحدد؛ من شروط جزائية وغرامات.
وغير ذلك من المضامين القضائية والقانونية التي توجد في العقود المحكمة المتينة، والتوثيقات الضامنة لصحة عقد الاستثمار.
7. استشارة الخبراء في موضوع الاستثمار.
وأن يكون ذلك من خبيرين فأكثر مختصين في موضوع الاستثمار المعروض؛ عقاريا أو تجاريا أو صناعيا، أو غيرها من مجالات الاستثمار.
وتتضمن دراسة الجدوى كافة ما تحتاجه؛ كلحظ المخاطر بأنواعها والمعلومة عند الخبراء، والتحقق من الموانع؛ كقدرة نظار الوقف وأذرعه الإدارية والتجارية على إدارة هذا النوع من الاستثمار، والإشراف عليه، أو عدم ذلك، وعن إمكانية تسويقه للمستهدفين، وكذلك إمكانية التمويل.
وأن يكون الاتجاه إلى الاستثمار المعين بعد البحث في السوق بحسب الوسع، وإجراء مفاضلة بين وجوه الاستثمار الأخرى؛ بحيث لا يوجد استثمار آخر قريب المأخذ أعلى منه عائدا؛ دون موانع في هذا الآخر، أو أسباب تفضيل معتبرة.
وأن تكون هذه الدراسة بموجب خطاب مكتوب مقيد يتضمن دراسة جدوى متكاملة؛ تركيزا للمسؤولية، وتوثيقا للإجراء. والله تعالى أعلم.