الرئيسة    الفتاوى   الوصايا والتبرعات   تهاون الجمعية الخيرية في تطبيق شروط المتبرعين

تهاون الجمعية الخيرية في تطبيق شروط المتبرعين

فتوى رقم : 21251

مصنف ضمن : الوصايا والتبرعات

لفضيلة الشيخ : سليمان بن عبدالله الماجد

بتاريخ : 15/08/1439 09:57:06

س: ما حكم عدم التزام الجمعيات ببعض شروط المتبرعين؟

الحمد لله وحده أما بعد .. فما وجد فيه نص من المتبرع مكتوبا أو شفهيا على صفة معينة ، في مكانه ، أو نوع استثماره ، أو أي تفاصيل أخرى فلا بد من أخذ إجازته لأي تعديل في ذلك ؛ فإن أذن وإلا التزمت الجمعية بشرطه أو أن يُعاد تبرعه إليه ، وأما بعض الأمور اليسيرة التي لا تؤثر في أصل مقصده، أو عند فقد المصرف أو وجود حرج أو خسارة فادحة في تنفيذه تذهب منفعته أو أكثرها ، أو كان ذلك التعديل في بعض الوسائل المحضة التي لا يتغير بها مقصده، أو كانت المخالفة في اليسير جدا لأجل الحرج، ونحو ذلك فيُرخص في عدم الالتزام بنصه في ذلك بشرط أن يكون العرف والعادة جاريين على تسامح المتبرعين في مثل هذه التصرفات.
وهذه بعض أقوال العلماء المحققين في مثل تلك المسائل:
قال ابن عبد السلام في "قواعد الأحكام" (2/126) : ( فصل في تنْزيل دلالة العادات وقرائن الأحوال منزلة صريح الأقوال في تخصيص العموم وتقييد المطلق وغيرهما ، وله أمثلة .. ) ثم سرد جملة منها .
وقال الغزالي في "المستصفى" (248) : ( .. وعلى الجملة فعادة الناس تؤثر في تعريف مرادهم من ألفاظهم ..) أهـ .
يقال : وكذلك أفعالهم .
وقال ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (4/258) : ( ... مع أن التحقيق في هذا أن لفظ الواقف ولفظ الحالف والشافع والموصي وكل عاقد يُحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها ؛ سواء وافقت العربية العرباء ، أو العربية المولدة ، أو العربية الملحونة ، أو كانت غير عربية وسواء وافقت لغة الشارع ، أو لم توافقها ؛ فإن المقصود من الألفاظ : دلالتها على مراد الناطقين بها ؛ فنحن نحتاج إلى معرفة كلام الشارع ؛ لأن معرفة لغته وعرفه وعادته تدل على معرفة مراده ، وكذلك في خطاب كل أمة وكل قوم ، فإذا تخاطبوا بينهم في البيع والإجارة أو الوقف أو الوصية أو النذر أو غير ذلك بكلام رُجع إلى معرفة مرادهم ، وإلى ما يدل على مرادهم : من عادتهم في الخطاب، وما يقترن بذلك من الأسباب ) أهـ .
وحين أبطل الحنفية دليل الخطاب في نصوص الشارع ؛ فإنهم طردوا ذلك فأبطلوه في شروط الواقفين وألفاظهم بناء على أن نص الواقف كنص الشارع ، وقد خالفهم في ذلك جمع من متأخريهم ، وحققوا أن دليل الخطاب معتبر في كلام الناس:
قال ابن عابدين في "رد المحتار" (4/434) : ( .. وحيث كان المفهوم معتبراً في متفاهم الناس وعرفهم وجب اعتباره في كلام الواقف أيضاً ؛ لأنه يتكلم على عرفه ) أهـ كلامه .
وقد بنى العلماء على ذلك فروعاً كثيرة بمنع التغيير أو بجوازه بناء على العادة الجارية ، وخالف بعضهم في بعض هذه الفروع شرطَ الواقف الصريح ؛ لكون دلالة العادة في بعضها على مراده أقوى من الشرط الصريح:
فمنها ما ذكره القرافي في "الفروق" (1/189) من تسويغ انتفاع غير الموقوف عليه في المدة اليسيرة ؛ كأهل المدارس والرُبُط ؛ فإنه يجوز لهم إنزال الضيف المدة اليسيرة ؛ لأن العادة جرت بذلك ؛ فدلت العادة على أن الواقف يسمح في ذلك.
ونحوه في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (3/285) لابن حجر الهيتمي .
ومنها : ما ذكره الهيتمي في المرجع نفسه " (3/278) من عدم الحاجة إلى إذن الناظر الخاص في استعارة الكتاب الموقوف ؛ إذا جرت به عادة ، وأن العرف المطرد في زمن الواقف إذا علمه يكون بمنزلة شرطه ؛ فيُتَّبع ذلك.
ومنها : ما جاء في "أسنى المطالب" (2/452) نقلاً عن ابن عبد السلام أنه لو شرط واقف المدرسة أن لا يشتغل المعيد فيها أكثر من عشرين سنة ، ولم يكن في البلد معيد غيره : جاز استمراره وأخذه المعلوم ؛ لأن العرف يشهد بأن الواقف لم يُرِدْ شغور مدرسته ، وإنما أراد أن ينتفع هذا مدة ، وغيره مدة .
ومنها : ما ذكره ابن عبدالسلام في "القواعد" (2/134) من أن وقت التدريس محمول على البكور ؛ لاطراد العرف بذلك , فلو أراد المدرس أن يذكر الدرس في الليل مُنع من ذلك .
ومنها : ما ذكره السيوطي في "الأشباه والنظائر" (92) أن المدارس الموقوفة على درس الحديث ، ولا يعلم مراد الواقف فيها ؛ هل يُدرَّس فيها علم الحديث الذي هو معرفة المصطلح ؟ فقرر رحمه أن المعتبر في ذلك هو العرف.
ومنها : ما ذكره الزركشي في "المنثور" (2/395) والسيوطي في "الأشباه والنظائر" (1/97) من جواز بيع وإهداء كسوة الكعبة ؛ إذا كانت من الأوقاف التي أُوقفت بعد جريان هذه العادة ، وعدم جوازه من الأوقاف التي لم تسبقها أو تقارنها هذه العادة.
ومنها : ما ذكره الفتوحي في "شرح الكوكب المنير" ص (649) نقلاً عن تقي الدين في تقديم التنبيه على النص حيث قال ( .. فإنَّ نقل نصيب الميت إلى ذوي طبقته إذا لم يكن له ولد دون سائر أهل الوقف= تنبيه على أنه يُنقل إلى ولده إن كان حينئذ له ولد ؛ فالتنبيه حينئذ دليل أقوى من النص ؛ حتى في شروط الواقفين ) أهـ .
فعليه فإن العرف الدارج والعادة المتبعة تُجرى في بعض التعديلات المخالفة لبعض نص الواقف أو المتبرع ليُبنى الحكم في هذه المسألة على ما جرت عليه عادة الناس، والعادة جارية فيما ذكرناه من أمثلة في صدر هذا الجواب على تخويل الناظر أو الجهة المتبرع لها على التخويل بالتصرف بما هو مصلحة في حدود تلك المقاصد وتحت قيد ذلك الضابط، وأن يُحكَّم في ذلك رأي الخبراء في المجال الذي يراد التعديل فيه؛ فلا يستبد بذلك من لا خبرة له من العاملين في الجمعية، وأرى أن يكون الرأي من الخبير مكتوبا فهو أكثر في الضبط وتركيز المسؤولية.
ونقول تأكيدا أنه إذا عُلم من أحد المتبرعين بالنص أو القرينة الظاهرة عدم رضاه عن شيء من ذلك فلا بد من استئذانه ، أو إعادة تبرعه إليه . والله تعالى أعلم .

خبير