الرئيسة    الفتاوى   الأطعمة والأشربة والصيد والذبائح   تناول الأدوية المشتملة على شيء من المحرمات

تناول الأدوية المشتملة على شيء من المحرمات

فتوى رقم : 17409

مصنف ضمن : الأطعمة والأشربة والصيد والذبائح

لفضيلة الشيخ : سليمان بن عبدالله الماجد

بتاريخ : 24/06/1434 06:44:07

س: يا شيخ .. صرفوا لي في المستشفى حبوباً، وفي النت انتشر أنها تحتوي على نسبة من الخنزير ، فهل أستخدمها أم لا؟

ج: الحمد لله أما بعد .. إذا كان هذا الدواء يشتمل على أعيان من أجزاء لحم الخنزير فلا يجوز تناوله بأكل أو شرب ، ولكن يباح ذلك في مثل هذه الأدوية بشروط:
1. أن يكون ذلك لضرورة أو حرج ظاهر ؛ كخوف هلكة ، أو تلف عضو ، أو ألم لا يطاق.
2. أن لا يوجد في غيره ما يغني عنه.
3. أن يغلب على الظن اندفاع الضرورة به ؛ فإن كان مشكوكا فيه لم يحل.
وقد دل على ذلك الأصل النصوص القاضية بتحريم التداوي بالمحرمات ؛ كالذي رواه مسلم في "الصحيح" (3/1572) عن طارق بن سويد الجعفي، سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: «إنه ليس بدواء، ولكنه داء» ، وهو محمول على ما لا ضرورة فيه ، وإنما هو تداو من شكوى معتادة.
كما دلت نصوص رفع الحرج ، وقواعد الضرورات وأنها تبيح المحظورات على جواز تناولها بالشروط المعتبرة.
وقد منع من ذلك الإمام ابن تيمية حتى في حال الضرورة كما في "الفتاوى" (21/563) والمتأمل في كلامه يلحظ أنه إنما ينازع في تحقيق المناط ، وفي وجود الشروط لا في أصل الحكم ؛ ويظهر هذا في قوله بأن التداوي ليس من الضرورة في شيء ، وفرَّق بينه وبين الأكل لدفع الموت جوعا بكون الأبدان لا تقوم إلا به .
وما ذكره رحمه الله من كون التداوي ليس بضرورة إنما هو في عصره حيث إن الأدوية وأنواع الاستطبابات إنما هي ظنون لا تقوم على قطعيات ضرورية ؛ بخلاف ما هي عليه اليوم من القطع بإذن الله بأثر التداوي في الغالب الأعظم منها ، ولو قيل في وقته رحمه الله بفتح البطن لعلاج الزائدة الدودية لمنعه الأطباء قبل الفقهاء ، وقد صارت عمليتها اليوم عند الفقهاء من أوجب الواجبات ؛ بل يضمن الطبيب ما يتلف من النفس وما دونها بسبب تفريطه إذا ترك تلك العملية مع ظهور التشخيص ، وأمثالها كثير ؛ بل صارت أكثر الأدوية والعمليات في غلبة الظن في حفظها للنفس كالقطع الذي رآه ابن تيمية رحمه الله في ضرورة الأبدان إلى الأكل لدفع المخمصة ؛ وكعصب الجرح النازف دما من شريان أو وريد الذي يُقطع بأنه من التداوي الواجب ؛ لظهور أثره في حفظ النفس.
فصار رأيه رحمه الله إنما هو في تحقق الشفاء بإذن الله بهذه الأسباب ، وليس نزاعا في أصل الحكم ، ومما يؤكد ذلك قوله رحمه الله (21/565) في أحد أوجه المنع: (..أن الدواء لا يستيقن ؛ بل وفي كثير من الأمراض لا يُظن دفعه للمرض)أهـ .
ويؤكد هذا قوله (565،566/21) : (..ثم الدواء بنوعه لم يتعين لنوع من أنواع الأجسام في إزالة الداء المعين. ثم ذلك النوع المعين يخفى على أكثر الناس بل على عامتهم دركه ومعرفته الخاصة المزاولون منهم هذا الفن أولوا الأفهام والعقول يكون الرجل منهم قد أفنى كثيرا من عمره في معرفته ذلك ثم يخفى عليه نوع المرض وحقيقته ويخفى عليه دواؤه وشفاؤه ففارقت الأسباب المزيلة للمرض الأسباب المزيلة للمخمصة في هذه الحقائق البينة وغيرها فكذلك افترقت أحكامها كما ذكرنا) ، ويقول في الموضع نفسه : (..أما سقوط ما يسقط من القيام والصيام والاغتسال؛ فلأن منفعة ذلك مستيقنة بخلاف التداوي) أهـ فظهر مما ذكره أنه يقرر عدم وجود غلبة ظن أو قطع في وقته بأثر التداوي ، وهذه المقدمة منتفية في الوقت الحاضر ؛ فغالب الأدوية يدرك الأطباء بغلبة ظن أو قطع أثرها في الشفاء بإذن الله ؛ إما لجميع المرضى ، أو لأكثرهم ؛ بل صارت المحاكم اليوم تُضمِّن الطبيب إذا ترك مداوة المريض في أكثر الأحوال .
وأظن أن ابن تيمية رحمه الله لو وقف على ما بلغه الطب لم يقل بغيره.
هذا كله إذا كانت العين المحرمة صرفة أو غالبة أو ظاهرة بخصائصها ، أما إذا تحولت إلى عين أخرى ، ولم يعد فيها خصائص العين السابقة ففي جواز التداوي بها مع عدم الضرورة خلاف بين أهل العلم ، وأصح أقوالهم جواز ذلك لكونه مبنيا على قاعدة الاستحالة ؛ وهي أن الأعيان إذا تحولت إلى عين أخرى = لم تبق معها أحكام العين الأولى. والله أعلم.

تداوي    مداواة    طبيب