المدين لا يأثم ولا يحبس بدينه بعد موته إلا إذا فرط
فتوى رقم : 16621
مصنف ضمن : أحكام الجنائز
لفضيلة الشيخ : سليمان بن عبدالله الماجد
بتاريخ : 01/04/1433 02:47:11
س: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. يا شيخ .. توفي والدي عن دين يبلغ تقريباً 400 ألف ريال، وسوف يأخذ تسديده بعض الوقت، مع العلم أن والدي غني جداً، ولكن تسويف الورثة، فهل تبرأ ذمته ويتعلق الدين بذمة ورثته أم لا؟
ج: الحمد لله أما بعد.. فإن المسلم إذا مات مدينا فإنه لا يعذب بدينه ، ولا يُحبس عن الجنة إلا إذا فرط في مال الدين ، او تعدى فيه حتى ضاع على صاحبه؛ كالسرف في صرفه، وكترك توثيقه والوصية به، وككونه عاجزا عن السداد؛ ولم يبين ذلك للدائن.
وإذا كان حريصا على السداد، ولم يتسبب في تأخيره فقد اتقى الله ما استطاع، وقد قال الله تعالى : "فاتقوا الله ما استطعتم" ، ولا يحاسب بظلم ورثته لصاحب الدين؛ لقوله تعالى : "ولا تزر وازرة وزر أخرى".
كما دلت السنة على هذا المعنى:
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "من حمل من أمتي دينا ثم جهد في قضائه ثم مات قبل أن يقضيه فأنا وليه".
وجوَّده كل من الهيتمي في "الزواجر" (1/248) والمنذري في "الترغيب" (3/45).
واُعتبر في هذا الحديث حسن قصده، وأن الله هو وليه، وفيه إشارة إلى رفع الإثم عنه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "الدَين دَينان ، فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه ، ومن مات وهو لا ينوي قضاءه فذاك الذي يؤخذ من حسناته ليس يومئذ دينار ولا درهم".
رواه ابن ماجه وحسنه المنذري والألباني.
فاعتبر ما يؤخذ من حسناته وجود نية المطل، أو الاستيلاء.
وتُحمل بقية الأحاديث التي أطلقت الإثم بمجرد عدم الوفاء : على هذه المقيدة، مع ما تقدم ذكره من القرآن من عمومات قوية.
قال ابن عبد البر في "التمهيد" (23/238):
(..والدين الذي يُحبَسُ به صاحبه عن الجنة ، والله أعلم ، هو الذي قد تَرك له وفاءً ولم يوص به ، أو قدر على الأداء فلم يؤد ، أو ادَّانه في غير حق ، أو في سرف ومات ولم يؤده )..
..(وأما من ادَّان في حق واجب لفاقةٍ وعسرةٍ ، ومات ولم يترك وفاء ، فإن الله لا يحبسه به عن الجنة إن شاء الله). اهـ.
وبه قال القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (4/274).
وهذه مسألة تختلف عن انهدام الذمة بالموت وعدمها، أو تعلق الدّين بالذمة أو التركة، وما للفقهاء فيها من خلاف؛ لأن انهدامها بالموت إنما يعنون به في حقوق الخلق في الدنيا، ويظهر أثر الخلاف في مسائل نادرة كالوصية لعين الميت؛ فإذا كان له ذمة معتبرة وجب سداد الدين من تلك الوصية، وإلا لم يجب.
وما قُرر هنا هو رفع الإثم والحساب عنه مع عجزه عن سداده، وحرصه عليه، وتبيينه له. والله أعلم.