الرئيسة    الفتاوى   الحديث   الجواب عما ظاهره تكذيب الليثيين للنبي صلى الله عليه وسلم

الجواب عما ظاهره تكذيب الليثيين للنبي صلى الله عليه وسلم

فتوى رقم : 15577

مصنف ضمن : الحديث

لفضيلة الشيخ : سليمان بن عبدالله الماجد

بتاريخ : 26/05/1432 17:15:46

س: عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا، فلاحه رجل في صدقته فضربه أبو جهم ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال : القود يا رسول الله ، فقال : لكم كذا وكذا ، فلم يرضوا به ، فقال : لكم كذا وكذا ، فرضوا به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم ، قالوا : نعم ، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "إن هؤلاء أتوني يريدون القود فعرضت عليهم كذا فرضوا ، قالوا : لا ، فهم المهاجرون بهم فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفوا فكفوا ، ثم دعاهم فقال : أرضيتم ، قالوا : نعم ، قال : فإني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم ، قالوا : نعم ، فخطب الناس ، ثم قال : أرضيتم؟ قالوا : نعم" والحديث صحيح.
قال ابن حزم : "في هذا الخبر عذر الجاهل ، وأنه لا يخرج من الإسلام بما لو فعله العالم الذي قامت عليه الحجة لكان كافرا ؛ لأن هؤلاء الليثيين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وتكذيبه كفر مجرد بلا خلاف ، لكنهم عذروا بالجهالة فلم يكفروا".
وقال العراقي معقبا :" قلت : ويحتمل أنهم لما أنكروا الاستمرار على ذلك الرضى حيث يجوز لهم الرجوع عنه إذا لم يقع تصريح بالعفو أو ظنوا أن لهم الرجوع بعد العفو الصريح لا أنهم أنكروا أن ذلك وقع منهم قبل ذلك فإنه كفر بلا شك كما قال".
ما رأيكم في استنباط ابن حزم؟ وكيف نجمع بينه وبين الإجماع المنقول على أن مكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم كافر حتى ولو كان جاهلا؛ لأنه لا يتصور أن يكون مؤمنا بالرسول ثم يكذبه؟
وهل يصح أن نفرق بين التكذيب في شؤون الدنيا والتكذيب في شؤون الدين؟

ج: الحمد لله أما بعد .. فالحديث المذكور أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، وهو صحيح .
ولا فرق بين تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم في تبليغ شيء من الدين وبين تكذيبه في معاملة بحتة ، وإن كان الأول منهما أعظم جرما من الثاني .
ويجاب عن الإشكال المذكور في السؤال من وجوه :
الأول : أن قيام وصف الكفر في المعين يفتقر إلى وجود شروط وانتفاء موانع ، ومن الموانع الجهل ؛ فلم يقم وصف الكفر أصلا .
الثاني : أن إظهار أحكام الكفر على المُعين ممن معه أصل الإسلام في مثل أسباب الكفر هذه : لم يكن هديا له صلى الله عليه وسلم ، وهذا ظاهر في تعامله مع من كان يعلم كفرهم ، وهم المنافقون ، لاسيما رؤوسهم .
الثالث : أن الكلام في الرضا أو الانتقاض كان مع جماعة من المستحقين للقود أو أقاربهم ؛ فربما رضي بعضهم أول الأمر ولم يرض البقية ، وحين سألهم مرة أخرى : تكلم من لم يكن راضيا ، وربما كان هذا ظاهرا للنبي صلى الله علي وسلم ، ولم يكن ظاهرا للمهاجرين حين هموا بهم ، وربما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف عند ذلك رغبة منه في حصول رضا الجميع .
وعلى هذا لا حجة فيه لمن اشترط في ثبوت وصف الكفر في المعين : معرفته أن فعله أو قوله كفر . والله أعلم .