هل الأصل في الذنوب كونها كبائر أو صغائر؟
فتوى رقم : 13623
مصنف ضمن : الإيمان
لفضيلة الشيخ : سليمان بن عبدالله الماجد
بتاريخ : 24/01/1432 03:26:24
س: السلام عليكم .. إذا اختلف أهل العلم في معصية ما: أهي من الكبائر أم من الصغائر؛ وخاصة إذا كان لها حظ من النظر؛ ما موقفي منها؟ هل الأصل في الذنوب أنها كبائر أم العكس؟ ولا يخفى عليكم كثرة الذنوب المختلف في تصنيفها، والذي يترتب عليها تفسيق المتلبس بها في حال عدها من الكبائر. علما أني أعلم أن الورع الأخذ بالحزم.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. لا ريب أن للذنوب مراتب بعضها أشد من بعض ، ومنها كبائر وصغائر ، قال تعالى : "إن تجتنبوا كبائر ما تُنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما" وقوله تعالى : "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم" ، ولم يخالف في ذلك إلا المعتزلة وبعض المتكلمين ؛ حيث قرروا أن الذنوب كلها كبائر وهذا باطل بنص القرآن .
وقد نصت الشريعة على بعض الذنوب أنها من الكبائر ؛ كالسبع الموبقات وغيرها ، وفيما عدا ذلك لم يثبت نص في الشريعة على ضابط يُفرَّق به بين الصغيرة والكبيرة ، بل قال ابن عبد السلام في "القواعد " : (لم أقف لأحد من العلماء على ضابط للكبيرة لا يسلم من الاعتراض) أهـ من "الفتح" (10/410) لابن حجر .
ولو قال قائل : إن الشريعة سكتت عن بيان ذلك الضابط لأجل أن يحترز المؤمن من كل ذنب ؛ خشية أن يكون كبيرة لكان له وجه .
ومما يدل عليه أن الله تعالى حث على اجتناب الكبائر مطلقا ؛ فقال : "إن تجتنبوا كبائر ما تُنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم" فهو يؤكد هذا المعنى ، وإذا لم يُستفد منه الإذن بفعل الصغيرة قطعا ؛ فلماذا نتطلب الفرق بين الصغيرة والكبيرة؟
ومع إخفاء الضابط ترى العابد يحرص على التقصي على النفس والاحتياط لها ، وهذا مطلب للشريعة : وهو أن يكون وجلا خائفا ، ونفسه لوامة ، هذا عدا ما في تسمية الذنب صغيرة من التهاون بنهي الباري جل في علاه عنها ، وتسهيلها في نفوس الناس ؛ بما يخالف مقاصد الشريعة في التوقي من الذنوب .
ولهذا وقع لبعض من اعتمد ضابطا في ذلك أن طبق الحكم على بعض الذنوب فوصفها بأنها صغائر ، و هذا فيه ما فيه من قفو المرء ما ليس له به علم دون حاجة ، وكذلك تسهيل معصية الله تعالى .
ثم وقفت بعد تحرير هذا على كلام للإمام الواحدي في "البسيط" يقول فيه : (.. الصحيح أنه ليس للكبائر حد يعرفه العباد ، وتتميز به عن الصغائر ؛ تمييز إشارة، ولو عرف ذلك لكانت الصغائر مباحة ، ولكن أخفي ذلك على العباد ، ليجتهد كل واحد في اجتناب ما نهي عنه ، رجاء أن يكون مجتنبا للكبائر ، ونظيره إخفاء الصلاة الوسطى في الصلوات ، وليلة القدر في رمضان) أهـ نقلا من "البحر المحيط" (3/336) للزركشي .
إذا تقرر هذا عُرف الجواب عن سؤال الأخ الكريم وهو عدم مشروعية تحديد الأصل في الذنوب : هل هي كبائر أو صغائر؟ . والله أعلم .