الرئيسة    الفتاوى   أحكام الموظفين والطلبةوالعمال   العمل في المحاكم التي تحكم بغير الشريعة

العمل في المحاكم التي تحكم بغير الشريعة

فتوى رقم : 13499

مصنف ضمن : أحكام الموظفين والطلبةوالعمال

لفضيلة الشيخ : سليمان بن عبدالله الماجد

بتاريخ : 18/01/1432 23:09:06

س: أنا من دولة (..) وموظف ، والسؤال هو : ما حكم العمل في المحاكم القضائية التي تحكم بالقوانين الوضعية؟ علما أن كل الشعب يحتكم لهذه المحاكم . أريحونا من فضلكم وجزاكم الله خيراً.

ج: الحمد لله أما بعد .. الحكم بما أنزل الله أعظم العبودية لله تعالى ، وهو من أخص خصائص ربوبيته؛ بأن يكون له الحكم وحده ، وهو أكبر خصائص إلهيته ؛ بأن تُجرد له المتابعة ، وأن يفرد بالطاعة ؛ فمن حكم بغير ما أنزل الله فقد عرَّض إيمانه للنقض أو النقص.
ولهذا قال الله تعالى : "وأن أحكم بينهم ما أنزل الله" وقال : "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"، وقال :"أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" ، وقوله تعالى : "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" .
وإذا كانت الأمة قد أجمعت على أن من صرف عبادة محضة كالصوم والصلاة والذبح لغير الله فقد كفر ، وقد كان هذا في أفراد المنهيات ؛ فكيف إذا أعطى باختياره المحض حق الحكم والأمر لغير الله ، وهو مصدر التلقي لجميع هذه الأحكام المفردة ؟ وأي انحراف أعظم من نصب الحاكم نفسه مشرعا من دون الله في مناقضة قطعيات الشريعة.
وأيهما أسوأ في حال رئيس الدنيا أن تُصرف بعض فروض طاعته إلى غيره من الناس ، أو أن يقال : لا طاعة لحكمه ولا انقياد لأمره؟ فكيف بأن يُنصب من أهل الدنيا من ينازعه التشريع؟
ولهذا قرن الله تعالى بين الربوبية والأمر في قوله جل شأنه : "ألا له الخلق والأمر".
وقال العلماء: إن الحكم بغير ما أنزل الله شرك في الربوبية والإلهية معا .
وعليه : فإن الأصل هو تحريم العمل في المحاكم التي تحكم بغير ما أنزل الله.
ولكن يستثنى من هذا الأصل أن الموظف فيها إذا تجنب ما استطاع مباشرة الإعانة على الحكم بغير ما أنزل الله ، وكان عمله ـ على حسب قدرته ـ فيما لا تُعلم مخالفة الشريعة فيه ، مع ما يكون في عمله من تقليل الشر ، ونصرة الضعيف، وكبت الفاجر القوي، مع السعي إلى إحلال الشريعة مكان القوانين المضادة دون فتن أو مفاسد أعظم لها فلا يظهر بأس من العمل فيها؛ بل قد يكون ذلك طريقا إلى تحكيم شريعته ، وإنفاذ أمره ، وهو بهذه النية مأجور غير مأزور.
وفي نحو ذلك يقول ابن تيمية في "الفتاوى" (19/218) : (.. والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن؛ فإن قومه لا يقرونه على ذلك ، وكثيرا ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضيا؛ بل وإماما ، وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها ؛ فلا يمكنه ذلك ؛ بل هناك من يمنعه ذلك ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.. فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة ؛ وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه ؛ بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها..) أهـ. والله أعلم.