الرئيسة    الفتاوى   الرقائق والأذكار والأدعية   تعاهد غار حراء بالزيارة

تعاهد غار حراء بالزيارة

فتوى رقم : 24085

مصنف ضمن : الرقائق والأذكار والأدعية

لفضيلة الشيخ : سليمان بن عبدالله الماجد

بتاريخ : 14/11/1444 10:45:48

س: السلام عليكم .. شيخنا سلمك الله .. أشكل علي الحديث الذي عند مسلم في صعود النبي عليه الصلاة والسلام على جبل النور (حراء) بعد فتح مكة، والحديث معروف في كتاب فضائل طلحة والزبير، الإشكال حول سبب الصعود؟ وهل فيه حجة لأهل الآثار أو بعبارة أخرى أهل الذكريات كما يقال؟
جزاكم الله خيرا.

ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. فإن صعود النبي صلى الله عليه وسلم على جبل حراء ثابت في صحيح مسلم ، وليس فيه ما يدل على أنه صعده تعبدا ؛ كما لم يرو عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى فيه أو تمسح به ولا من كان معه من الصحابة رضوان الله عليهم ؛ فما وقع فيه من الاستشكال ليس بمشكل.
ولأن هذا لو كان مشروعا لتكرر من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولذكر باعثه وسببه ، ولصرح أن هذا المكان مما تُشرع فيه العبادة ، وأن للمسلم أن يقصده للتبرك به سواء بالمكث أو بالدعاء أو بأي وسيلة أخرى.
وقد رأى بصرة الغفاري رضي الله عنه عدم مشروعية زيارة جبل الطور كما رواه مالك في "الموطأ" وأحمد في "المسند" وهو أثر صحيح ، وذكره ابن حجر في "فتح الباري" محتجا به ، وهو موضع تجلي رب العزة والجلال ، والوادي المقدس والبقعة المباركة.
ولم يكن الصحابة يتعاهدون جبل النور بصلاة أو دعاء أو مطلق تبرك ، ولا من بعدهم من التابعين والأئمة ، وبعيد عنهم رضي الله عنهم وأرضاهم أن يعلموا فيه مشروعية عبادة أو تبرك ثم يتركونه، فهذا من الترك الوجودي لا العدمي الذي لا دلالة فيه، والترك الوجودي عند المحققين من أهل العلم كالشاطبي ابن تيمية وابن حجر الهيتمي هو من أن هذا النوع من الترك الذي له دلالة على بدعية ما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم ، والصحابة رضي الله عنهم.
هذا وحتى يكون ترك الرسول والسلف تركا وجوديا له دلالة على قيام وصف البدعة فلا بد من تحقق ثلاثة شروط:
الأول: أن يكون موضع الخلاف في محل التعبد المحض ؛ كالصلاة والحج والعمرة والذكر والتبرك.
الثاني: أن يوجد المقتضي لفعله كتحصيل الأجر.
الثالث: أن ينتفي المانع من ذلك الفعل ؛ لأن تركهم قد يكون بسبب هذا المانع فتضعف الدلالة.
قال ابن حجر الهيتمي: (..فإن البدعة الشرعية ضلالة، كما قال صلى الله عليه وسلمومن قسمها من العلماء إلى حسن وغير حسن فإنما قسم البدعة اللغوية، ومن قال: كل بدعة ضلالة، فمعناه البدعة الشرعية، ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان أنكروا [الأذان] لغير الصلوات الخمس، كالعيدين، وإن لم يكن فيه نهي، وكرهوا استلام الركنين الشاميين، والصلاة عقيب السعي بين الصفا والمروة قياسا على الطواف، وكذا ما تركه صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضي، فيكون تركه سنة وفعله بدعة مذمومة). أهـ من "الفتاوى الحديثية" ص200.
فأما كونه بركة: فهو محل تعبد، فإذا قلنا بأنه تبرك وتعبد فهذه عبادة وهو محل للتعبد المحض.
كما أنه قد وجد المقتضي للفعل وهو حرص الصحابة والتابعين على الأجر والثواب في تحصيل هذه البركة.
وأما عدم المانع فيبعد جدا أن يمر جيل الصحابة وجيل التابعين دون أن يظهر منهم قول أو فعل فيه بيان قصدهم للعبادة والتبرك عن زيارة مثل هذه الآثار.
وهذا النهج كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون ، وانتهى إليه أئمة الهدى كالإمام مالك، ولهذا كان منهجه في اعتبار عمل أهل المدينة قولا وفعلا وتركا ، وكان من أوائل من صرح والتزم هذه الطريقة الأثرية في فهم النصوص، فكان يقول: لم أسمع، ويقول: (هل سمعت؟)، (هل فعلوه؟)، (ولم يكن عليه عمل الناس) يعني تركوه، ونحو ذلك من الأمور التي يحتج فيها بالترك ، أو حتى بعدم النقل للفعل؛ لأن عدم النقل للفعل بوجود هذه الشروط يدل على أنه لم يكن؛ لأنه لو كان لنُقل، والناس ينقلون عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعن الصحابة وعن التابعين ما هو دونه، فكيف لم ينقلوه؟ وهذا النهج الذي أرساه مالك رحمه الله والذي عليه الصحابة وعليه التابعون، كان بناء على أصل نبوي كريم حين قال صلى الله عليه وسلم: "وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، ثم ذكر في هذا الحديث نفسه طريق النجاة من هذه البدع فقال: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ثم قال: وإياكم ومحدثات الأمور". والله أعلم.