لديها استراحة، فهل الأفضل أن توقفها أم توصي بالثلث؟
فتوى رقم : 22465
مصنف ضمن : الوصايا والتبرعات
لفضيلة الشيخ : سليمان بن عبدالله الماجد
بتاريخ : 24/09/1442 14:51:17
س: السلام عليكم: يا شيخ، أنا عندي استراحةٌ أَسْكُن فيها، وأبنائي كبارٌ في السِّنِّ، ولديهم ما يكفيهم لمعيشتهم، وأُريدُ أن أقف هذه الاستراحة، هل الأفضل أن أقفها أم تكون وصيةً؟ عِلمًا بأني لا أملك غيرها.
ج: وعليكم السَّلام ورَحْمَةُ الله وبَركاته: إذا كان أولادُك وبناتُك في مستوًى ماليٍّ لا يتمكنون فيه مِن تحقيق مطالبهم المُهمَّة الدَّائِمة أو المُتجدِّدة بحسب أمثالهم مِن تَمَلُّك مَسْكَنٍ، ومَرْكَبٍ، وأثاثٍ، وفواتير خدمات، وعلاج، والحَدِّ الأدنى مِن استدامة الدَّخْلِ مِن خلال عَمَلٍ حُرٍّ -ولو كان الولد حين الوقف أو الوصية أجيرًا-، وغيرها مِن المطالب المُهمَّة إلا بقرضٍ أو سؤالٍ للناس؛ فالأولى بك والأعظم أجرًا لك أن تجعلي مالَك لأولادك إرثًا بينهم، وتجعلين في نيتك بأن ما تدخرينه أو يَرِثُونه منك هو صدقةٌ منك عليهم؛ لأن الله تعالى قال: "كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ" فجعل شرط الوصية المستحبة أن يترك خيرا وهو المال الكثير؛ كما أن النبي ﷺ قال لسعد رضي الله عنه: «إِنَّكَ إِنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرْهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» متفق عليه، ومن سوف يحتاج لإكمال مسكن مثله ومركبه وزواجه فلا بد أن يستدين أو يقترض أو يستوهب، أو يمن الناس عليه بإعانة؛ فهنا تركهم عالة يتكففون الناس، وقد كان سعد رضي الله عنه ذا مال، ولم يكن يرثه حينها إلا ابنة له واحدة، ومع ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "الثلث والثلث كثير".
وقد أمرَ النَّبيُّ ﷺ يَوْمًا بالصَّدَقَةِ، فَقَالَ رَجَلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ، فَقَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ»، قالَ: عِنْدِي آَخَرُ، قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ»، قَالَ: عِنْدِي آَخَرُ، قالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجِكَ»، قَالَ: عِنْدِي آَخَرُ، قَالَ: «تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ»، قالَ: عِنْدِي آَخَرُ، قَالَ: «أَنْتَ أَبْصَرُ».
وتأكد هذا النَّهْجُ فيما رواه البخاري في «الصحيح» من حديث أبي هريرة ﭬ، أن النبي ﷺ قال: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ».
وفي حديث أبي هريرة ﭬ، أن النبي ﷺ قال: «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ». رواه مسلم.
فدلت هذه الأحاديث على أن الذي يتصدَّق هو الثري الذي يَجِدُ ما يَكفيه ومَنْ يَعُول؛ بل ذهب في حديث سعدٍ المَذْكُور في الوَصِيَّة إلى أن يَسْعَى الوَالِدُ إلى امتداد كِفَايَتِهم؛ حتى بعد مَوْتِ ذلك الوالد؛ ليُحقِّقوا مِن إرثه المَطَالِب الحاجيَّة الكثيرة؛ فَضْلًا عن الضرورية؛ فإذا كان ما يَتْرُكُه يُحَقِّقُ تلك المطالبَ اُستحب له حينئذٍ أن يَتَبَرَّع بما زاد على ذلك؛ صدقة أو وقفا.
هذا، وإذا نوى أن يكون ما يُنفقُه لهم في حياته، أو يَتْرُكُه لهم بعد وفاته صَدقةً منه على ذُرِّيَّته؛ كان أجره أعظم؛ لقوله ﷺ: «أَعْظَمُها أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ».
ومنه تعلم أن ما عليه كثير من متوسطي الحال من الوقف والوصية بالثلث، ونحوه في غير محله؛ لما تقدم، وأن خير ما تصدق به هؤلاء هو ما كان على أولادهم وزوجاتهم.
ولا يصح أن يقال: إن في هذا منعا لباب الوقف والوصية؛ وذلك لأنه نهج القرآن، وهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي مر ذكره آنفا حين كان ينهى متوسطي الحال عن الوقف والوصية على غير أولادهم وأزواجهم، ولأن ما يقفه الأثرياء يكفي لحاجات المسلمين بل ويزيد؛ لو استشعروا ذلك. والله أعلم.